فصل: ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


543- بِألَمٍ مَّا تُخْتَنَنَّ‏.‏

أي لا يكون الحِتان إلا بألم، ومعناه أنه لا يُدْرَك الخيرُ ولا يُفْعل المعروف إلا باحتمال مشقة، ويروى ‏"‏بألم ما تُخْتَنِنَّهْ‏"‏ وهذه على خطاب المرأة، والهاء للسكت، ودخلت النون في الروايتين لدخول ما، على ما ذكرنا قبل، والعربُ تدخل نون التأكيد مع ما كقولهم‏:‏

ومن عضَةٍ مَايَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا*

544- أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَّا‏.‏

البغيض‏:‏ بمعنى المبغَضِ كالحكيم بمعنى المحكَم، وهَوْنأ‏:‏ أي قليلا سهلا، ونصب على صفة المصدر، أي بغضا هَوْنا غير مستَقْصىً فيه، فلعلكما ترجعان إلى المحبة فتستحْيِيَا من بعضكما، ودخلت ما للتوكيد‏.‏

545- بِئْسَ السَّعَفُ أنْتَ يَا فَتَى‏.‏

قال النضر‏:‏ سُعُوف البيت التور والقَصْعة والقِدْر، وهي من مُحَقَّرات متاع البيت ‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ بئس السلعة وبئس الخليط أنت‏.‏

546- بالأرضِ وَلَدَتْك أُمُّكَ‏.‏

يضرب عند الزَّجْر عن الخُيْلاء والبَغْي، وعند الحث على الاقتصاد‏.‏ ‏[‏ص 108‏]‏

547- بَنَانُ كَفِّ لَيْسَ فِيهَا سَاعِدٌ‏.‏

يضرب لمن له هِمَّة ولا مَقْدِرَةَ له على بلوغ ما في نفسه‏.‏

548- أَبَرَمُ طَلْحٍ نالَها سِرافٌ‏.‏

الطَّلْح‏:‏ شجر، والواحدة طَلْحة، والبَرَمَةُ‏:‏ ثمرة، وأبْرَمَ إذا خرجت بَرَمَتُه، والسِّرَاف‏:‏ من قولهم ‏"‏سَرَفَتِ الشجرة‏"‏ إذا وقعت فيها السُّرْفَة، وهي دُوَيْبَّة تتَّخذ لنفسها بيتاً مربعاً من دُقِاَق العيدان تضم بعضَها إلى بعض بلُعَابها ثم تدخل فيه وتموت، يقال‏:‏ سَرَفَتْ تَسْرُفُ سَرْفاً وسِرَافاً‏.‏

يضرب لمن ارتاشَتْ حاله وكثر ماله بعد القلة‏.‏

549- بَيْضَاءُ لاَ يُدْجِى سَنَاهَا العِظْلِمُ‏.‏

أي‏:‏ لا يسوِّد بياضَها العِظْلِمُ، وهو نبت يُصْبغ به، يقال‏:‏ هو النيل، ويقال الوَسْمَة، والعِظْلِمُ أيضاً‏:‏ الليلُ المظلم، وهو على التشبيه‏.‏

يضرب للمشهور لا يُخْفيه شيء‏.‏

550- بايِعْ بِعِزٍّ وَجْهُهُ مُلَثَّمٌ‏.‏

المغطى باللثام هو المُلَثّم، وأراد بقوله ‏"‏بايع بعز‏"‏ بع عزا ولا ترده يكون بهذه الصفة‏:‏ أي لا تَرْغَبْ في مُوَاصلة قوم لا قَديم لهم، فعزهم مستور لا يعرف إلا في هذا الوقت‏.‏

551- بِنْتُ صَفاً تَقُولُ عَنْ سَماعٍ‏.‏

بنت الصَّفَا‏:‏ مثل قولهم ‏"‏بنت الجبل‏"‏ يعنون بهما الصَّدَى، وهو صوت يُسْمع من الجبل وغيره‏.‏

يضرب لمن لا يُدْعَى إلى خير أو شرّ إلا أجَابَ، كما أن صدى الجبل يجيب كل صوت‏.‏

552- بِجنِّ قَلْعٍ يُغْرَسُ الوَدِىُّ‏.‏

جِنُّ العهدِ‏:‏ حِدثَانُه وأَوَّلُه، وكذلك جن كل شيء‏.‏ يضرب لمن يؤمر بطلب الأمر قبل فَوْته‏.‏

553- بِقَدْرِ سُرُورِ التَّوَاصُلِ، تَكُونُ حَسْرَةُ التَّفَاصُلِ‏.‏

554- البَلاَيَا عَلَى الْحَوايَا‏.‏

قاله عَبيدُ بن الأبْرَصِ يوم لقي النعمانَ ابن المنذر في يوم بُؤْسه، والْحَوِيَّةُ وَالسَّوِيَّةُ كِساء يُحْشى بالثُّمام ونحوه ويُدَار حول سَنام البعير، والْحَوِيَّة لا تكون إلا للجِمال، فأما السَّوِية فإنها تكون لغيرها‏.‏

ومعنى المثل‏:‏ البلايا تُسَاق إلى أصحابها على الْحَوْايا، أي لا يقدر أحد أن يَفِرَّ مما قُدِّرَ له‏.‏ ‏[‏ص 109‏]‏

555- البَغْىُ آخِرُ مُدَّة القَوْمِ‏.‏

يعني أن الظلم إذا امتدَّ مَدَاه آذَنَ بانقراض مُدَّتهم‏.‏

556- ابْنُ زَانِيَةٍ بِزَيْتٍ‏.‏

أصله أن قوماً من اللصوص جَلَبوا قَحْبة، فلما قَضَوْا منها أوطارهم أَعْطَوْها قِرْبَةَ زيتٍ كانت عندهم إذ لم يحضرهم غيرها، فقالت المرأة‏:‏ لا أريدها لأني أَحْسِبَني عَلِقْت من أحدكم، وأَكْرَه أن يكون مولودي ابنَ زانية بزيت، فذهب قولها مثلاً، قال الشاعر‏:‏

إذا ما الحىُّ هاجى حَشْوَ قبرٍ * فَذَلِكُمُ ابنُ زانيةٍ بزَيْتِ

557- بَاتَ فُلاَن يَشْوِي القَرَاحَ‏.‏

يعني الماء القَرَاح، وهو الخالص الذي لا يخُاَلطه شيء‏.‏

يضرب لمن ساءت حالُه ونَفِدَ مالُه، فصار بحيت يشوي الماء شهوة للطبيخ‏.‏

وأصله أن رجلاً اشتهى مَادُوما، ولم يكن عنده سوى الماء، فأوقد ناراً، ووضع القِدْر عليها، وجعل فيها ماء وأغلاه، وأَكَبَّ على الماء يتعلَّل بما يرتفع من بُخَاره، فقيل له‏:‏ ما تصنع ‏؟‏ فقال‏:‏ أشوي الماء، فضرب به المثل‏.‏

558- بِحَيْثُ العَيْنُ تَرْنُو ما يَضُرُّ‏.‏

يريد حيثُ تنظر العين ترى ما يضر، والباء في ‏"‏بحيث‏"‏ زائدة، كما تزداد في ‏"‏بحسبك‏"‏‏.‏ يضرب لمن إن جامَلْتَه أو جاملت عليه فهو لك مُنْكِر ومنك نَفْور‏.‏

559- بَيْتٌ بِهِ الْحِيَتانُ وَالأنُوقُ‏.‏

وهما لا يجتمعان‏.‏

يضرب لضدين اجْتَمَعَا في أمرٍ واحد‏.‏

560- بِئْسَ مَحَلاًّ بِتُّ في صَرِيمٍ‏.‏

الصَّرِيم‏:‏ الليلُ، والصريم‏:‏ الصبح، وهذا الحرف من الأضداد‏.‏

يريد بئس المحل محلا بت فيه، ثم حذف ‏"‏في‏"‏ فصار بته، ثم حذف الهاء‏.‏

يضرب لمن سكَن إلى مَنْ لا يُوثَقُ بمثله‏.‏

561- بِشْرٌ كَحَنَّةِ العَلُوقِ الرَّائِمِ‏.‏

البِشْر‏:‏ رَوْنَق الوجه وصفاء لونه، والعَلُوق‏:‏ الناقة التي ترأم الولد بأنفها، وتمنعه دَرَّها‏.‏

يضرب لمن يُحْسن القولَ ويقتصر عليه‏.‏

562- بَيْضُ قَطاً يَحْضُنُهُ أَجْدَلُ‏.‏

الأجْدَل‏:‏ الصَّقْر، والحَضْنُ والْحِضَانة‏:‏ ‏[‏ص 110‏]‏ أن يَحْضُن الطائرُ بَيْضَه تحت جناحه‏.‏ يضرب للشريف يُؤْوِي إليه الوضيع‏.‏

563- بَنِيكِ حَمِّرِي وَمَكِّكِينِي‏.‏

قيل‏:‏ أصاب الناسَ جَدْبٌ ومجاعة، وإن رجلاً من العرب جمع شيئاً من تمر في بيته، وله بَنُونَ صِغار وامرأة، فكانت المرأة تَقُوتهم من ذلك التمر، تسوِّي بينهم وتعطي كل واحد جمعة من التمر مثل الْحُمَّرَة، وإن الرجل لا يغني ذلك عنه شيئاً، فأرادت المرأة يوماً أن تَقْسِم بينهم، فقال‏:‏ حَمِّرِي بنيك ومككيني، أي أعطيني مثل المُكَّاء، وهو طائر أكبر من الْحُمَّرة‏.‏

يضرب لمن يُسَوِّي بين أصحابه في العطاء ويختص به قوم فيطمعون في تخصيصه إياهم بأكثَرَ من ذلك‏.‏

564- بَلَغَ اللّهُ بِكَ أَكْلأَ العُمُرِ‏.‏

يقال‏:‏ كَلأَ يَكْلأَ كُلُوأ، إذا تأخر، ومنه الكالئ للنَّسيئة لتأخرها، والمعنى‏:‏ بلَّغك اللّه أَطْوَلَ العمر وآخره‏.‏

565- بِئْسَ مَحَكُّ الضَّيْفِ اسْتُهُ‏.‏

يضرب للئيم، قاله أبو زيد، ولم يزد على هذا، ويروى ‏"‏محل‏"‏ باللام‏.‏

566- بَخٍ بَخٍ سَاقٌ بِخَلْخَالٍ‏.‏

بَخٍ‏:‏ كلمة يقولها المتعجب من حسن الشيء وكماله الواقع موقع الرضا‏,‏ كأنه قال‏:‏ ما أَحْسَنَ ما أراه، وهو ساق مُحَلاَّة بخَلْخال ويجوز أن يريد بالباء معنى مع، فيكون التعجب من حسنهما‏.‏

يضرب في التهكم والهزء من شيء لا موضع للتهكم فيه‏.‏

وأول من قال ذلك الوِرْثَةُ بنت ثَعْلَبَة امرأة ذُهْل بن شَيْبان بن ثعلبة، وذلك أن رَقَاشِ بنتَ عمرو بن عثمان من بني ثعلبة طلقَّها زوجُها كعبُ بن مالك بن تَيْم الله بن ثعلبة بن عُكَايَةَ، فتزوجها ذهل بن شيبان زوج الوِرْثَة ودخل بها، وكانت الوِرْثَةُ، لا تترك له امرأة إلا ضَرَبَتْها وأَجْلَتْها، فخرجت رقاشِ يوماً وعليها خلخالان، فقالت الوِرْثَة‏:‏ بخ بخ ساق بخلخال، فذهبت مثلا، فقالت رقاش‏:‏ أَجَلْ ساقٌ بخَلْخَال، لا كخالك المُخْتَال، فوثبت عليها الوِرْثَةُ لتضربها، فضبَطَتْها رقاشِ وضربتها وغلبتها حتى حُجِزَتْ عنها، فقالت الوِرْثَةُ‏:‏

يا وَيْحَ نَفْسِي اليومَ أدركني الكبر * أأبْكِي على نَفْسي العشيَّةَ أم أَذَرْ

فواللّه لو أدركْتِ فيَّ بقيةً * لَلاَقَيْتِ ما لاقى صَوَاحِبُكِ الأخَرْ

فولدت رقاشِ لذُهْل بن شيبان‏:‏ مُرَّة، وأبا ربيعة، ومحلِّما، والحارث بن ذهل‏.‏ ‏[‏ص 111‏]‏

*3* ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏

567- أَبْلَغُ مِنْ قُسٍّ‏.‏

هو قُسُّ بن ساعدة بن حُذَافة بن زُهَير ابن إياد بن نِزَار، الإيادي، وكان من حكماء العرب، وأَعْقَلَ من سُمِع به منهم، وهو أول من كَتَب ‏"‏من فلان إلى فلان‏"‏ وأول من أَقَرَّ بالبعث من غير علم، وأول من قال ‏"‏أما بعد‏"‏ وأول من قال ‏"‏البينة على مَنْ ادَّعَى والميمينُ عَلَى من أنكر‏"‏ وقد عُمِّر مائةً وثمانين سنة، قال الأعشى‏:‏

وَأَبْلَغُ من قُسِّ وأَجْرَى مِنَ الذي * بِذِي الغيل مِنْ خفَّانَ أَصْبَحَ خَادِرَا

وأخبر عامر بن شَرَاحيل الشعبيُّ عن عبد الله بن عباس أن وَفْدَ بكر بن وائل قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فَرَغ من حوائجهم قال‏:‏ هل فيكم أحد يعرف قُسَّ بن ساعدة الإيادي ‏؟‏ قالوا‏:‏ كلنا نعرفه، قال‏:‏ فما فَعَلَ ‏؟‏ قالوا‏:‏ هلَكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كأني به على جَمَل أحمر بعُكَاظ قائماً يقول‏:‏ أيها الناس، اجْتَمِعُوا واسْتَمِعُوا وَعُوا، كل مَنْ عاش مات، وكل مَنْ مات فَاتَ، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لَخَبراً، وإن في الأرض لَعِبَراً، مِهَاد مَوْضُوع، وَسَقْف مَرْفوع، وبِحار تَمْوج، وتجارة تَرُوج، ولَيْل دَاجٍ، وسماء ذاتُ أَبْرَاجٍ، أَقْسَمَ قُسٌّ حقا لئن كان في الأرض رِضاً ليكونَنَّ بعده سخط، وإن للّه عَزَّتْ قُدْرته دِيناً هو أَحَبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ‏؟‏ أَرَضُوا فأقاموا، أو تُرِكُوا فناموا ‏؟‏ ثم أنشد أبو بكر رضي الله عنه شعراً حَفِظه له، وهو قوله‏:‏

في الذاهبين الأوَّلِيـ * ـنَ ‏(‏الأولين‏)‏ من القُرُونِ لنا بَصَائرْ

لما رأيت مَوَارِدا * للمَوْتِ ليس لها مَصَادِرْ

ورأيت قومي نَحْوَها * يَسْعَى الأصاغرُ والأكابرْ

لا يَرْجِعُ الماضي إِلىَّ * ولا من الباقين غَابِرْ

أَيْقَنْتُ أني لا مَحَـــــا * لَةَ ‏(‏محالة‏)‏ حيثُ صار القومُ صائرْ

568- أَبْخَلُ مِنْ مادِرٍ‏.‏

هو رجل من بني هِلال بن عامر بن صَعْصَعة، وبلغ من بُخْله أنه سقي إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسَلَح فيه ومَدَر الحوضَ به، فسمى مادراً لذلك، واسمه مُخَارق‏.‏ ‏[‏ص 112‏]‏

قال أبو الندى‏:‏ وذكروا أن بني فَزَارة وبني هِلال بن عامر تنافروا إلى أنَسِ بن مُدْرك الْخَثْعَمِيّ، وتراضَوْا به، فقالت بنو عامر‏:‏ يا بني فَزَارة أأكَلْتُم أيْرَ حمار، فقالت بنو فزارة‏:‏ قد أكَلْنَاه ولم نَعْرفه، وحديث ذلك أن ثلاثة نفر اصْطَحَبُوا فَزارِي وثَعْلَبيّ وكِلابيّ، فصادُوا حمارا، ومضى الفَزَاريّ في بعض حاجته، فطَبَخَا وأكَلاَ، وخَبَآ للفزاريّ جُرْدَانَ الحمار ‏(‏جردان الحمار وجوفانه - بضم جيمهما - قضيبه‏)‏ فلما رَجَع الفزاري قالا‏:‏ قد خَبَأنا لك، فكُلْ فأقبل يأكله ولا يكاد يُسِيغه، فقال‏:‏ أكُلُّ شِوَاء العَيْر جُوفَان ‏(‏جردان الحمار وجوفانه - بضم جيمهما - قضيبه‏)‏ يعني به الذَّكَر، وجَعَلا يضحكان، ففطن وأخَذَ السيف وقال‏:‏ لتأكلانِّهِ أو لأقتلنكما، ثم قال لأحدهما وكان اسمه مَرْقمة‏:‏ كُلْ منه، فأبى فضربه فأبَانَ رأسَه، فقال الآخر‏:‏ طاح مَرْقَمة، فقال الفزاري‏:‏ وأنت إن لم تَلْقَمه، قال محمد بن حبيب‏:‏ أراد إن لم تَلْقَمهَا، فلما ترك الألفَ ألقى الفتحة على الميم قبل الهاء، كما قالوا وَيْلُم الحيرة وأي رجال بَهْ‏:‏ أي بِهَا‏.‏ قلت‏:‏ إنما قَدَّر الهاء في تَلْقَمها إرادة المضغة أو البضعة، وإلا فليس في الكلام الذي مضى تأنيث ترجع الهاء إليه، فقالت بنو فزارة‏:‏ ولكن منكم يا بني هلال مَنْ قَرَى ‏(‏قرى - جمع‏)‏ في حوضه فسَقَى إبله فلما رَوِيَتْ سلَح فيه ومَدَره بخلاً به أن يُشْرَب فضلُه، فقضى أنسُ بن مُدْرِك على الهلاليين، فأخذ الفزاريون منهم مائة بعير، وكانوا تراهَنُوا عليها‏.‏

وفي بني فَزَارة يقول الكُمَيْت بن ثَعْلبة، والكميتُ من الشعراء ثلاثة‏:‏ أقدمهم هذا، ثم كميت بن معروف، ثم كميت ابن زيد، وكلمهم من بني أسد‏:‏

نَشَدْتُكَ يا فَزَارَ وأنت شَيْخٌ * إذا خُيِّرْتَ تخطئ في الخِيار

أَصَيْحَانية أُدِمَتْ بسمن * أَحَبُّ إليك أم أَيْرُ الحِمار

بلى أَيْرُ الحمار وخُصْيَتَاه * أَحَبُّ إلى فَزَارة من فَزَارِ

فحذف الهاء من فزارة كما تحذف في الترخيم، وإن كان هذا في غير النداء، ويجوز أن يكون أراد ‏"‏من فزاريٍّ‏"‏ فخفف ياء النسبة‏.‏

وفي بني هلال يقول الشاعر‏:‏

لقد جَلِّلَتْ خِزْياً هلالُ بنُ عامرٍ * بَنِي عامرٍ طُرَّا بسَلْحَة مادر

فأفٍّ لكم لا تَذْكُرُوا الفَخْرَ بعدها * بني عامر أنْتُمْ شِرَارُ المَعَاشِرِ

وفي بني فزارة يقول ابنُ دَارَةَ‏:‏

لا تأمنَنَّ فزاريَّا خَلَوْتَ به * على قَلُوصِك واكْتُبْهَا بأسْيَارِ ‏[‏ص 113‏]‏

لا تأمَنَنْهُ وَلاَ تَأْمَنْ بَوَائِقَهُ * بَعْدَ الذي امْتَلَّ أيْرَ العَيْرِ في النار

أطْعَمْتُمُ الضيفَ جُوفَاناً مُخَاتَلَةً * فلا سَقَاكُمْ إِلهِي الخالِقُ البارِي

قال حمزة‏:‏ وحدثني أبو بكر بن دُرَيد قال‏:‏ حدثني أبو حاتم عن أبي عُبَيدة أنه قرأ عليه حديثَ مادر فضحك، قال‏:‏ فقلت له‏:‏ ما الذي أضحكك‏؟‏ فقال‏:‏ تعجبني من تسيير العرب لأمثالٍ لها لو سَيَّرُوا ما هو أهَمُّ منها لكان أبلغ لها، قلت‏:‏ مثل ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ مثل مادر هذا جعلوه علما في البخل بفَعْلَةٍ تحتمل التأويل، وتركوا مثل ابن الزُّبَير مع ما يُؤْثر على لفظه وفعله من دقائق البُخْل فتركوه كالغُفْل‏:‏ من ذلك أنه نظر إلى رجل من أصحابه وهو يومئذ خليفة يقاتل الحجاج ابن يوسف على دَوْلته وقد دَقََّ الرجل في صُدُور أهل الشأم ثلاثة أرماح، فقال له‏:‏ يا هذا اعْتَزِلْ عن حربنا فإن بيت المال لا يقوى على هذا‏.‏ وقال في تلك الحرب لجماعة من جُنْده‏:‏ أكلتم تَمْرِي وعَصَيْتم أمري، وسمع أن مالك بن أشعر الرزاميَّ من بني مازن أكَلَ من بعير وَحْده وحمل ما بقي على ظهره فقال‏:‏ دُلُّونِي على قبره أنبشه، وقال لرجل أتاه مُجْتَدِيا وقد أُبْدِعَ به، فشكا إليه حَفَى ناقته، قال‏:‏ اخْصِفْهَا بهلب، وارْقَعْهَا بسبت، وأنجِدْبها يَبْرُدْ خفها، فقال الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين جئتك مُسْتَوْصلا، ولم آتك مُسْتَوْصِفا، فلا بَقِيَتْ ناقة حملتني إليك، فقال‏:‏ إنَّ وصاحِبَهَا، ولهذا الرجل فيه شعر قد نسى‏.‏

قلت‏:‏ وفي بعض النسخ من كتاب أفعل‏:‏ كان هذا الرجل عبد الله بن فَضَالة ‏(‏المحفوظ أن اسم هذا الشاعر عبد الله ابن الزبير - بفتح الزاي وكسر الباء - الأسدي‏)‏ الأسدي، ولما انصرف من عنده قال‏:‏

أرَى الحاجاتِ عِندَ أبي خُبَيْب * نَكِدْنَ، ولا أمَيَّةَ بالبِلاَدِ

وَمَالِي حينَ أقْطَعُ ذاتَ عِرْقٍ * إلَى ابْنِ الكَاهِلِيَّةِ من مَعَادِ

في أبيات ‏.‏ وابن الكاهلية‏:‏ هو عبد اللّه بن الزُّبَيْر، كانت جدة من جداته من بني كَاهِل، فلما بلغ الشعرُ ابنَ الزُّبَير قال‏:‏ لو علم لي أما ألأَم من عمته لسبَّني بها قال أبو عبيدة‏:‏ فلو تكلف الحارث بن كَلَدة طبيبُ العرب أو مالك بن زيد مناة وحُنَيْف الْحَنَاتم آبلاَ العربِ من وصف علاج ناقة الأعرابي ما تكلَّفه هذا الخليفةُ لما كانوا يَعْشُرُونه، وكان مع هذا يأكل في كل أسبوع أكلة، ويقول في خطبته‏:‏ إنما بطني شِبْر في شِبْر، وعندي ما عسى يكفيني، فقال فيه الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 114‏]‏

لو كان بَطْنُكَ شِبْرا قد شَبِعْتَ، وقد * أفْضَلْتَ فَضْلا كثيرا للمساكين

فإنْ تُصِبْكَ من الأيام جائحةٌ * لا نَبْكِ منك على دُنْيَا ولا دِينِ

569- أَبْخَلُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

570- أَبْخَلُ مِنْ ذِي مَعْذِرَة‏.‏

هذا مأخوذ من قولهم في مثل آخر‏:‏ المَعْذِرة طَرَفٌ من البخل‏.‏

571- أَبْخَلُ مِنَ الضَّنِينِ بِنَائِلِ غَيْرِهِ‏.‏

هذا مأخوذ من قول الشاعر‏:‏

وإنَّ امْرَأً ضَنَّتْ يَدَاه على امرئ * بنَيْل يدٍ من غيره لَبَخِيلُ

572- أَبَرُّ مِنَ فَلْحَسٍ‏.‏

هو رجل من بني شيبان، زعموا أنه حمل أباه - وكان خَرِفا كبيرَ السن - على عاتقه إلى بيت اللّه الحرام حتى أحَجَّه‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏

573- أَبَرُّ مِنَ العَمَلَّس‏.‏

وهو رجل كان بَرَّا بأمه، وكان يحملها على عاتقه‏.‏

574- أبْصَرُ مِنْ زَرْقَاءِ اليَمَامَةِ‏.‏

واليَمَامة‏:‏ اسمُها، وبها سمي البلد، وذكر الجاحظ أنها كانت من بنات لُقْمَان ابن عاد، وأن اسمها عنز، وكانت هى زَرْقَاء وكانت الزبَّاء زَرْقَاء، وكانت البَسُوس زرقاء، قال محمد بن حبيبَ‏:‏ هى امرأة من جَدِيس، يعني زرقاء، كانت تُبْصِر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، فلما قَتَلَتْ جَدِيس طَسْماً خرج رجل من طَسْم إلى حَسَّان بن تُبَّع، فاستجاشه ورَغَّبه في الغنائم، فجهَّز إليهم جيشا، فلما صاروا من جَوّ على مسيرة ثلاث ليلٍ صعدت الزرقاء فنظرت إلى الجيش وقد أُمِرُوا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبِّسُوا عليها، فقالت‏:‏ يا قوم قد أتتكم الشَّجَر، أو أتتكم حمير، فلم يصدقوها، فقالت على مثال رجز‏:‏

أقْسِمُ باللّه لقد دَبَّ الشَّجَرْ * أو حِمْيَر قد أخَذَتْ شيئا يجر

فلم يصدقوها، فقالت‏:‏ أحلف باللّه لقد أرى رَجُل، يَنْهَسُ كتْفاً أو يَخْصِفُ النعل فلم يصدقوها، ولم يستعدُّوا حتى صَبَّحهم حَسَّان فاجتاحهم، فأخذ الزرقاء فشقّ عينيها فإذا فيهما عُرُوق سود من الإثمِدِ، وكانت أولَ من اكتحل بالإثمد من العرب، وهي التي ذكرها النابغة في قوله‏:‏

وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحيِّ إذْ نَظَرَتْ * إلى حمامٍ سِرَاعٍ وارِدِ الثَّمَدِ ‏[‏ص 115‏]‏

575- أَبْعَدُ مِنَ النّجْمِ، وَمِنْ مَنَاطِ الْعَيُّوقِ، وَمِنْ بَيْض الأَنُوقِ، وَمِنَ الكَوَاكِب‏.‏

أما النجم فإنه يُرَاد به الثريا، دون سائر الكواكب، ومنه قول الشاعر‏:‏

إذا النَّجْمُ وافَى مَغْرِبَ الشمس أجحرت*مقارى حيى وَاشْتَكَى العُذْرَ جَارُهَا

وأما العَيُّوق فإنه كوكب يطلُع مع الثريا، قال الشاعر‏:‏

وإن صُدَيّاً والمَلاَمة ما مشى * لَكالنَّجْمِ وَالْعَيُّوق ما طَلَعَا مَعَا

صُدَى‏:‏ قبيلة، أي هي أبدا مَلُومة، والملامة تمشي معها لا تفارقها‏.‏

وأما بَيْضُ الأنُوق فهو - أعني الأنوق - اسم للرخَمَة، وهي أبعد الطير وَكْرا، فضربت العرب به المثل في تأكيد بُعْدِ الشيء وما لا يُنَال، قال الشاعر‏:‏

وكُنْتُ إذا اسْتُودِعْتُ سرا كَتَمْتُهُ * كبيض أَنُوقٍ لا يُنَال لها وَكْرُ

576- أَبْصَرُ مِنْ فَرَس بَهْماء فِي غَلَسٍ‏.‏

وكذلك يضرب المثل فيه بالعُقَاب فيقال‏:‏

577- أَبْصَرُ مِنْ عُقَاب مَلاعِ‏.‏

قال محمد بن حبيب‏:‏ مَلاَع اسم هَضْبة، وقال غيره‏:‏ مَلاَع اسم للصحراء، قال‏:‏ وإنما قالوا ذلك لأن عُقَاب الصحراء أبْصَرُ وأسْرَع من عقاب الجبال، ويقال للأرض المستوية الواسعة‏:‏ مَلِيع، ومَيْلَع أيضا، قال الشاعر ‏(‏هو امرؤ القيس بن حجر الكندي‏)‏ يصف إبلا أُغِيرَ عليها فذهبت‏:‏

كان دِثَارًا حَلَّقَتْ بلَبُونِهِ * عُقَاب مَلاَع لا عُقَاب الْقَوَاعِلِ

دِثار‏:‏ اسم رَاعٍ، والقواعل‏:‏ الجبال الصغار، وقال أبو زيد‏:‏ عقاب مَلاع هي السريعة، لأن المَلْع السرعة، ومنه يقال‏:‏ ناقة مَلُوع ومَلِيع أي سريعة، وقال أبو عمرو بن العَلاَء‏:‏ العرب تقول‏:‏ أنت أخَفُّ يداً من عُقَيِّبِ ملاع، وهي عُقَاب تصطاد العصافير والْجُرْذَانَ‏.‏

578- أَبْصَرُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏

زعم ابن الأعرابي أن العرب تسمي الغراب أعْوَر لأنه مُغْمِض أبدا إحدى عينيه مقتصر على إحداهما من قوة بَصَره، وقال غيره‏:‏ إنما سَمَّوه أعور لحدة بصره على طريق التفاؤل له، وقال بشار بن برد‏:‏

وقد ظَلَمُوه حين سَمَّوه سيدا * كما ظلم الناسُ الغرابَ بأعْوَرَا

قال أبو الهيثم‏:‏ يقال‏:‏ إن الغُرَاب ‏[‏ص 116‏]‏ يُبْصر من تحت الأرض بقَدْر منقاره‏.‏

579- أَبْصَرُ مِنَ الْوَطْوَاطِ بِالَّليْلِ‏.‏

أي أعرف منه، والوَطْواط‏:‏ الخُفَّاشُ ويقولون أيضا ‏"‏ أبْصَرُ ليلا من الوَطْواط‏"‏ ويقال أيضا للخطاف الوَطْواط، ويسمون الجبان الوطواط‏.‏

580- أَبْصَرُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

هذا المثل رواه بعض المحدثين ذاهبا إلى قول الشاعر وهو مُرَّة بن مَحْكان‏.‏

في ليلة من جُمَادَى ذَاتِ أنْدِيَةٍ * لا يُبْصِر الكلْبُ من ظَلْمائها الطُّنُبَا

581- أَبْأَي مِنْ حُنَيْفِ الْحَنَاتِمِ‏.‏

من البَأْى، وهو الفَخْر، وكان بلَغ من فخره أن لا يكلم أحدا حتى يَبْدَأه هو بالكلام‏.‏

582- أَبْأَي مِمَّنْ جاءَ بِرَأْسِ خَاقَان‏.‏

قال حمزة‏:‏ هذا مَثَل مولَّد حكاه المفضل بن سلَمة في كتابه المترجم بالكتاب الفاخر في الأمثال، قال‏:‏ والعامة تقول ‏"‏كأنه جاء برأس خَاقَان‏"‏ وخاقان هذا كان ملكا من ملوك الترك خرج من ناحية باب الأبواب، وظهر على أرمينية، وقتل الْجَرَّاح ابن عبد الله عاملَ هِشام بن عبد الملك عَلَيها، وغَلُظَت نكايته في تلك البلاد، فبعث هشامٌ إليه سعيدَ بن عمرو الْجَرَشِيَّ، وكان مَسْلَمة صاحب الجيش، فأوقع سعيد بخاقان، ففضّ جمعه، واحتزَّ رأسه، وبعث به إلى هشام، فعظُم أثره في قلوب المسلمين، وفَخُم أمره، ففخر بذلك حتى ضرب به المثل‏.‏

583- أَبَرُّ مِنْ هِرَّةٍ‏.‏

ويقال أيضا ‏"‏أعَقُّ من هرة‏"‏ وشرح ذلك يجيء في موضع آخر من هذا الكتاب‏.‏

584- أَبْغَضُ مِنَ الطَّلْيَاءِ‏.‏

هذا يفسَّر على وجهين، يقال‏:‏ الطَّلْياء الناقة الْجَرْباء المَطْلِيَّة بالهِنَاء، ويروى هذا المثل بلفظ آخر فيقال ‏"‏أبْغَضُ إلي من الجَرْبَاء ذات الهِنَاء‏"‏ وذلك أنه ليس شيء أبغض إلى العرب من الْجَرَبِ لأنه يُعْدِي، والوه الآخر أنه يعني بالطلياء خِرْقَة العارك ‏(‏العارك‏:‏ الحائض‏)‏ التي تَفْتَرِمُها من الافترام وهو الاعْتِبَاء والاحْتِشَاء، وكله بمعنى واحد ‏.‏ ويقولون هذا المثل بلفظة أخرى، وهي ‏"‏أقْذَرُ من مِعْبَأة‏"‏ ويقولون ‏"‏أهْوَنُ من مِعْبَأة‏"‏ وهي خِرْقَة الحائض، والجمع مَعَابئ‏.‏

585- أَبْرَدُ مِنْ عَضْرَس‏.‏

وهو الماء الجامد، والعُضَارِس بالضم مثله، قال الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 117‏]‏

يارُبَّ بَيْضَاء من العَطَامِسِ * تَضْحَك عن ذي أشَرٍ عُضَاِرس ‏(‏العطامس‏:‏ جمع عطموس - بزنة عصفور - وهي المرأة الجميلة التامة الخلق، والأشر‏:‏ تحزيز يكون في الأسنان خلقة أو عن صنعة‏)‏

وفي كتاب العين‏:‏ العَضْرَس ضرب من النبات، قال ابن مُقْبل‏:‏

والْعَيْرُ ينفخ في الْمَكْنَان قد كَتِنَتْ * مِنْهُ جَحَافِلُه والعَضْرَسِ الثَّجِرِ

أي العريض‏.‏

586- أَبْرَدُ مِنْ عَبْقَر‏.‏

وبعضهم يقول ‏"‏من حبقر‏"‏ وهما البرد عند محمد بن حبيب، وأنشد فيهما‏:‏

كأن فَاهَا عَبْقَرِيٌّ بارِدٌ * أورِيحُ رَوْض مَسَّه تَنْضَاحُ رِكَ

التنضاح‏:‏ ما ترشَّش من المطر، والرك‏:‏ المطر الخفيف الضعيف، وأحسن ما تكون الروضة إذا أصابها مطر ضعيف، فمحمد بن حبيب يروي هذا المثل ‏"‏أبردُ من عَبْقَرٍ‏"‏ وأبو عمرو بن العلاء يرويه ‏"‏أبْرَدُ من عَبّ قَرّ‏"‏ قال‏:‏ والعَبْ اسمٌ للبَرْد، وأنشد البيت على غير ما رواه ابن حبيب فقال‏:‏

كأَنَّ فاها عَبُّ قُرٍّ بَارِد * أو ريحُ روض مَسَّهُ تَنْضَاحُ رِكْ

قال‏:‏ وبه سمى ‏"‏عَبْ شَمْس‏"‏ والمبرد يرويه ‏"‏عَبْقُر‏"‏ ذكر ذلك في كتابه المقتضب في أثناء أبنية الأسماء في الموضع الذي يقول فيه‏:‏ العَبْقُرُّ البرد والعرنقصان نبت ‏.‏ وقال غيرهم‏:‏ عَب الشمس ضوء الصبح، فهذا أغرب تصحيف وقع في روايات علماء اللغة، ومتى صحت رواية أبي عمرو وجَب أن يجري عبقر على هذا القياس فيقال ‏"‏عب قر‏"‏ وحجة من يجيز ذلك تسمية العرب البرد بحَبِّ المُزْن وحب الغَمَام، وجاء ابن الأعرابي فوافَقَ أبا عمرو في هذا المثَل بعضَ الوفاق وخالفه بعض الخلاف، زعم أن عب شمس بن زيد مناة بن تميم اسمُه عَبْءُ شمسٍ بالهمز‏:‏ أي عدلها ونظيرها، والعبآن‏:‏ العدْلاَنِ، قال‏:‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ عب الشمس ضوؤها‏.‏

587- أَبْرَدُ مِنْ غِبِّ المَطَرِ‏.‏

يعني أبرد من غِبِّ يوم المطر‏.‏

588- أَبْرَدُ مِنْ جِرْبِياءَ‏.‏

الجِرْبِيَاء‏:‏ اسمٌ للشمال، وقيل لأعرابي‏:‏ ما أشدُّ البردِ ‏؟‏ فقال‏:‏ ريح جِرْبِياء، في ظل عماء، غبَّ سماء ‏.‏ قيل‏:‏ فما أطيبُ المِياه ‏؟‏ قال‏:‏ نُطْفة زرقاء، من سحابة غَرَّاء، في صَفَاة زَلاَّء ‏.‏ ويروى ‏"‏بلاء‏"‏ أي مستوية ملساء‏.‏

589- أَبْطَأُ مِنْ فِنْدٍ‏.‏

يعَنْوُن مولًى كان لعائشة بنت سعد ‏[‏ص 118‏]‏ ابن أبي وقَّاص، وسأذكر قصته في حرف التاء عند قولهم ‏"‏تَعِسَت العَجَلَة‏"‏

590- أَبْخَرُ مِنْ أَسَدٍ، وَمِنْ صَقْرٍ‏.‏

وفيه يقول الشاعر‏:‏

وله لحيةُ تَيْسٍ * وله مِنْقَارُ نَسْر

وله نَكْهَة لَيْثٍ * خالَطَتْ نكْهَةَ صَقْرِ

591- أَبْقَى مِنَ الدَّهْر‏.‏

ويقال أيضا‏:‏ ‏"‏أبْقَى عَلَى الدَّهْرِ مِنَ الدَّهْرِ‏"‏

ومن أمثال العرب السائرة‏:‏ البئر أبْقى من الرِّشَاء‏.‏

592- أَبْقَى مِنْ تَفَارِيقِ العَصَا‏.‏

هذا المثل قد ذكَرْناه في الباب الأول في قولهم ‏"‏إنك خيرٌ من تفاريق العصا‏"‏

593- أَبْطَشُ مِنْ دَوْسَرَ‏.‏

قالوا‏:‏ إن دَوْسر إحدى كَتَائب النعمان بن المنذر ملك العرب، وكانت له خمس كتائب‏:‏ الرهائن، والصنائع، والوضائع، والأشاهب، ودوسر، وأما الرهائن فإنهم كانوا خمسمائة رجل رَهَائن لقبائل العرب، يُقِيمون على باب الملك سنةً ثم يجيء بدلَهم خمسُمائة أخرى، وينصرف أولئك إلى أحيائهم، فكان الملكُ يغزو بهم ويُوَجِّههم في أموره‏.‏ وأما الصنائع فبنو قَيْس وبنو تَيْم اللاَّتِ ابني ثعلبة، وكانوا خَوَاصَّ الملك لا يَبْرَحُون بابه ‏.‏ وأما الوضائع فإنهم كانوا ألفَ رجلٍ من الفُرْس يضعهم ملكُ الملوك بالحِيرة نَجْدَةً لملك العرب، وكانوا أيضاً يقيمون سنةً ثم يأتي بدلَهم ألفُ رجلٍ، وينصرف أولئك ‏.‏ وأما الأشاهب فإخْوَةُ ملك العرب وبنو عمه ومَنْ يتبعهم من أعوانهم، وسموا الأشاهب لأنهم كانوا بيضَ الوجوه ‏.‏ وأما دَوْسَر فإنها كانت أخْشَنَ كتائبه وأشدَّها بطشاً ونكاية، وكانوا من كل قبائل العرب، وأكثرهم من ربيعة، سميت دوسر اشتقاقا من الدَّسْر، وهو الطعن بالثقل، لثقل وطأتها، قال الشاعر‏:‏

ضَرَبَتْ دَوْسَرُ فيهم ضربةً * أثبتَثْ أَوْتاد مُلْكٍ فاستقر

وكان ملك العرب عند رأس كل سنة - وذلك أيام الربيع - يأتيه وُجُوه العرب وأصحاب الرهائن، وقد صير لهم أكلا عنده، وهو ذوو الآكال، فيقيمون عنده شهراً، ويأخذون آكالهم، ويُبَدِّلون رهائنهم، وينصرفون إلى أحيائهم ‏.‏

594- أَبْرَدُ مِنْ أَمْرَدَ لا يُشْتَهى، وَمِنْ مُسْتَعْمِلِ النَّحْوِ في الحسابِ، وَمِنْ بَرْدِ الكَوَانِينِ‏.‏ ‏[‏ص 119‏]‏

595- أَبْغَضُ مِنْ قَدَحِ اللَّبْلاَبِ، ومِنْ الشَّيْبِ إلَى الغَوَانِي، ومِنْ رِيحِ السَّدَاب إلَى الْحَيَّاتِ، ومِنْ سَجَّاَدة الزَّانِيَةِ، وَمِنْ وُجُوهِ التُّجَّارِ يَوْمَ الكَسَادِ‏.‏

596- أَبْوَلُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

قالوا‏:‏ يجوز أن يُرَاد به البول بِعَيْنه، ويجوز أن يراد به كثرة الولد، فإن البول في كلام العرب يكنى به عن الولد‏.‏

قلت‏:‏ وبذلك عَبَّرَ ابْنُ سيرين رؤيا عبد الملك بن مروان حين بَعَثَ إليه‏:‏ إني رأيتُ في المنام أني قمتُ في محراب المسجد وبُلْت فيه خمس مرات، فكتب إليه ابنُ سيرين‏:‏ إن صَدَقَت رؤياك فسيقومُ من أولادك خمسة في المحراب، ويتقلدون الخلافة بعدك، فكان كذلك‏.‏

597- أَبيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَفَرَقِ الصُّبْحِ‏.‏

وهما الفجر، وفي التنزيل ‏{‏قل أعوذ برب الفلق‏}‏ يعني الصبح وبيانه‏.‏

598- أَبْطَأُ مِنْ مَهْدِيِّ الشِّيعَةِ، وَمِنْ غُرَابِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامَ‏.‏ُ

وذلك أن نوحا بعَثه لينظر هل غرقت البلاد‏؟‏ ويأتيه بالخبر، فوجد جيفَةً فوقع عليها فدعا عليه نوح بالخوف، فلذلك لا يألف الناس، ويضرب به المثل في الإبطاء‏.‏

599- أَبْقَى مِنْ وَحْىٍ في حَجَرٍ‏.‏

الَوْحى‏:‏ الكتابة، والمكتوب أيضاً، وقال‏:‏ كما َضِمَن الوُحِىَّ سِلاَمُهَا*

600- أَبْلَدُ مِنْ ثَوْرٍ، وَمِنْ سُلحَفْاَةٍ‏.‏

601- أَبْشَعُ مِنْ مَثَلٍ غَيْرِ سائِرٍ‏.‏

602- أَبْغَى منَ الإِبْرَةِ، وَمِنَ الزَّبِيبِ، وَمِنَ الْمِحْبَرَةِ‏.‏

وقال‏:‏

أَبْغَى من الإِبْرَةِ لكنَّه * يوهِمُ قوماً أنه لُوطِى

603- أَبْقَى مِنَ النَّسْرَيِنْ‏.‏

يعني النسر الطائر، والنسر الواقع، وَ ‏"‏مِنَ العَصْرَيْن‏"‏ يعني الغَدَاة والعَشِيَّ‏.‏

604- أَبْهَى مِنَ القَمَرَيْنِ‏.‏

يعني الشمسَ والقمر‏.‏

605- أَبْهَى مِنْ قُرْطَيْنِ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ حَسَنٌ‏.‏

606- أَبْكَرُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏ ‏[‏ص 120‏]‏

وهو أشد الطير بُكُوراً‏.‏

607- أَبْكَى مِنْ يَتِيمٍ‏.‏

وفيه المثل السائر ‏"‏لا تعلم اليتيم البكاء‏"‏

608- أَبْخَلُ مِنْ صَبِيٍّ، وَمن كَسع‏.‏

قالوا‏:‏ هو رجل بَلَغ من بخله أنه كَوَى إسْتَ كلبه حتى لا يَنْبَح فيدل عليه الضيف‏.‏

المولدون

بِئْسِ الشِّعارُ الحسَدُ‏.‏

بَيْنَ البَلاَءِ وَالْبَلاَءِ عَوَافِي‏.‏

جمع عافية‏.‏

بَيْتِي أَسْتَرُ لِعَوْراتِي‏.‏

يضرب لمن يؤثر العُزْلة‏.‏

بَيْتُ الإِسْكافِ فِيِه مِنْ كلِّ جِلْدٍ رُقْعَة‏.‏

يضرب لأخْلاَط الناس‏.‏

بِعِ الحَيَوانَ أَحْسَنَ ما يَكُونُ في عَيْنِكَ‏.‏

بِعِ المَتَاعَ مِنْ أَوَّلِ طَلَبِهِ تُوَفَّقْ فِيِه‏.‏

بِعِلَّةِ الزَّرْعِ يُسْقَي القَرْعُ‏.‏

بِعِلَّةِ الدَّايَةِ يُقْتَلُ الصَّبِيُّ‏.‏

بُغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخاً‏.‏

بَذْلُ الجاهِ أَحَدُ المالَيْنِ‏.‏

بَشِّرْ مالَ الشَّحِيحِ بِحَادِثٍ أَوْ وَارِثٍ‏.‏

قاله ابن المعتز‏.‏

بَعْضُ الشَّوْكِ يَسْمَحُ بالمَنِّ‏.‏

بَعْضُ العَفْوِ ضَعْفٌ‏.‏

بَعْضُ الحِلمِ ذُلٌّ‏.‏

برِئْتُ مِنْ رَبٍّ يَرْكَبُ الحِمَارَ‏.‏

بَلَدٌ أَنْتَ غَزَالُهُ، كَيْفَ باللّهِ نَكالُهُ‏.‏

بِهِ حَرَارَةٌ‏.‏

يضرب للمتهم‏.‏

به دَاءُ المُلُوكِ ‏.‏ مثله

بَيْنَ وَعْدِهِ وَإِنْجَازِهِ فَتْرَةُ نَبِيّ‏.‏

بَيْنِي وَبَيْنَهُ سُوقُ السِّلاَحِ‏.‏

يضرب في العداوة‏.‏

بَدَنٌ وَافِرٌ وَقَلْبٌ كافِرٌ‏.‏

بِجَبْهَةِ العَيْرِ يُفْدَى حَافِرُ الفَرَسِ‏.‏

بِقَدْرِ السُّرُورِ يَكُونُ التَّنْغِيصُ‏.‏

بَعْدَ البَلاَءِ يكونُ الثَّنَاءُ‏.‏

بَعْدَ كُلِّ خُسْرٍ كَيْسُ‏.‏

باعَ كَرْمَهُ وَاشْتَرَى مَعْصَرَه‏.‏

بِذاتِ فَمِهِ يَفْتَضِحُ الكَذُوبُ‏.‏

بِشْرُكَ تُحْفَةٌ لإِخْوَانِكَ‏.‏

بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَبَيْنَ الأرْضِ جِنَايَةٌ‏.‏

أي لا يصلي‏.‏ ‏[‏ص 121‏]‏

الْبُسْتَانُ كُلُّهُ كَرَفْسٌ‏.‏

يضرب في التَّساوي في الشر‏.‏

البَغْلُ الهَرِمُ لا يُفْزِعُهُ صَوْتُ الجُلْجُل‏.‏

ابْنُهُ على كَتِفِهِ وَهُوَ يَطْلُبُهُ‏.‏

ابْنُ آدَمَ لاَ يَحْتَمِلُ الشَّحْمَ‏.‏

ابنُ عَمِّ النَّبِيِّ مِنَ الدُّلْدُلِ‏.‏

يضرب للدعي يَدَّعِي الشرفَ، والدلدل‏:‏ اسم بَغْلة النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏ وكذلك يقال ‏"‏ابن عمه من اليَعْفُور‏"‏ وهو اسم حمارٍ له صلى الله عليه وسلم‏.‏

البَيَاضُ نِصْفُ الحُسْنِ‏.‏

بئسَ وَاللّهِ ما جَرَى فَرَسِي‏.‏

يضرب فيمن قصر أو قصر به‏.‏

بَطْنٌ جائِعٌ وَوَجْهٌ مَدْهُون‏.‏

يضرب للمُتَشَبِّع زُوراً‏.‏

ابنُ آدَمَ حَرِيصٌ على ما مُنِعَ مِنْهُ‏.‏

البَصَرُ بالزبُونِ تِجارة‏.‏

يضرب في المعرفة بالإنسان وغيره‏.‏